هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

 هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟
الصحيفة - افتتاحية
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 1:37

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على "اقتصاد الريع" والسياسة "البومديينية"، أكد الرجل أن "قادة الثورة" في الجزائر اجتمعوا في ليبيا قبل الاستقلال لتحديد النموذج السياسي والبناء المؤسساتي للبلاد، وفكروا في كل أنماط الحكم الممكنة، حتى النظام الملكي، لكن في الأخير، اتفقوا على تلك الصيغة الموجودة في بيان أول نوفمبر 1954: "دولة ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية".

ويضيف الرجل العارف بدهاليس الحكم في بلاده، أن اجتماع آخر تم في مؤتمر طرابلس في أبريل 1962 حول الخيار الاشتراكي و"المركزية الديمقراطية" (وهي تسمية أخرى للحزب الواحد)، وذلك لتفادي تشتت القوى السياسية والاجتماعية. ومضت الجزائر بهذا النمط بإيجابياته وسلبياته إلى غاية 1988 حيث استوجب المرور إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة "الديمقراطية الحديثة". فحدث مع الجزائر ما حدث في جميع البلدان العربية – الأمازيغية – الإسلامية التي نظمت انتخابات فاز التيار الإسلاموي بالأغلبية فيها، وغرقت البلاد في اللا استقرار والعنف. حسب ما أكده السياسي والمثقف الجزائري نور الدين بوكروح في حواره مع "الصحيفة".

الرجل الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عام 1995 إلى جانب اليامين زروال ومحفوظ نحناح وسعيد سعدي، وحصل على المرتبة الرابعة في هذه الانتخابات، كما تولى منصبا وزاريا ثلاث مرات، وكان من أسس حزب التجديد الجزائري، تحدث في حواره مع "الصحيفة" بتحفظ "فهمناه" خصوصا وأنه كان يدرك بأن عيون النظام الجزائري سترصد كل كلمة يدلي بها، وهو يجري أول حوار له مع صحيفة مغربية.

لهذا، توقف نور الدين بوكروح عند القول بأن الجزائر "غرقت في اللا استقرار والعنف"، ولم يتمم بقية القصة التي تلت العشرية السوداء، حيث قتل الجيش الجزائري آلاف المواطنين الأبرياء تحت مبررات قبيحة لا تصدر عن جيش نظامي لدولة تحترم مواطنيها.

بالعودة إلى مخاض ميلاد الدولة الجزائرية سنة 1962، يمكن أن نفهم الكثير من "الفوضى السياسية" التي تدار بها البلاد حاليا. فالجزائر تأسست كدولة باستفتاء أقامته فرنسا، ودعت الجزائريين لأن يدلوا بصوتهم بـ"نعم" أو "لا" عن السؤال التالي: "هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة مُتعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962؟

وفق المعطيات الفرنسية الرسمية، حينها، فإن الاستفتاء أسفر عن تصويت 99٫72% من الجزائريين بأن تستقل بلادهم و"أن تصبح مُتعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962؟

الخلاصة أن النظام الجزائري لم يخن العهد الذي صوت عليه الشعب منذ ذاك الحين، وأصبح نظاما من "بقايا الاستعمار" في المنطقة، يعيش على الفوضى مثلما كانت تفعل فرنسا طوال القرن الماضي حينما قضمت من حدود الدول الحقة لتونس والمغرب وفق مصالحها، وجزأت القارة، وخلقت فوضاها الخاصة التي جعلت من الجزائر "دولة متعاونة" ووظيفية تحاول لعب دورا أكبر من حجمها التاريخي.

وهكذا، خرجتت فرنسا من الجزائر وتركت نظاما فوضويا قاسيا على شعبه، ظهرت ملامحه بعد أن قاد وزير الدفاع حينها، محمد إبراهيم بو خروبة المعروف بالهواري بومدين بتاريخ 19 يونيو 1965 أول انقلاب عسكري في تاريخ الجزائر الحديثة، على الرئيس أحمد بن بلة الذي حكم البلاد لمدة سنة واحدة و9 أشهر و4 أيامٍ بالضبط، قبل أن يمسك الجيش بمفاصل الحكم إلى يومنا هذا، خالقا تخلفا داخليا واللا استقرار إقليميا.

في هذا السياق، يقول نور الدي بوكروح الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عام 1995 أن الجزائر لم يسبق لها أن بنت اقتصادا، وعوض ذلك أسَسَت لثقافة الأفكار "الريعية" منذ عهد بومدين الذي سَوّق للشعب ثقافة "راسو خشين" إلى بوتفليقة الذي كان يَرفع شعار "ارفع راسك يا بّا". بل ذهب السياسي الجزائري في حواراته بأن انتقد بشدة، سياسات بومدين الذي بحث عن فكر اقتصادي يوافق "استبداده السياسي"، وترك البلاد عند وفاته سنة 1978 مَديونة بـ 14 مليار دولار لساكنة كانت تبلغ حينها 14 مليون نسمة، أي مليار دولار دين لكل مليون جزائري.

بوكروح الذي سبق أن كتب مقالا تحت عنوان: "اشتراكية البقرة الحلوب"، وانتقد الديبلوماسية الجزائرية التي وصفها بدبلوماسية "النيف والخسارة"، و"الزلط والتفرعين"، و"معزة ولو طارت"، هو الرجل ذاته الذي اعتبر في حوار صحافي سابق أن ملف الصحراء الذي خلقه بومدين برفقة القذافي ضدا في النظام الملكي المغربي ورغبة في تقسيم المغرب هو ملف "احتياطي" لدى جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على الجزائر، ولا أحد يرغب في الاقتراب منه، والكل "يتعايش" مع مطباته إلى أن تنتهي عهدته، داعيا في حواراته المتعددة بمراجعة السياسة الجزائرية بخصوص هذا الملف لأن المغرب ربح الأرض أو "الفريسة" كما وصفها، والجزائر أخذت الشعارات.

لكن مع كل ما قاله نور الدين بوكروح من أهمية، وهو الرجل الذي أسس حزبا، وتقدم للانتخابات الرئاسية، وكتب مقالات حتى تعبت الكلمات منه، يبقى وصفه الدولة الجزائرية بأنها عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ" الأكثر عمقا في تحليل ماهية النظام الجزائري الذي يصارع، يوميا، في البحث عن هوية تاريخية مفقودة، لدولة بنيت على "سرقة تاريخية" لأراضي دُول مجاورة، وخيانة مفزعة لعهود كانت بين "الرجال".

هكذا، إذن يمكننا أن نقرأ نفسية النظام العسكري الجزائري، ونفهم كيف يمكن لخريطة على قميص لفريق كرة القدم أن ترعب عقيدته التي يمكنها أن تأخذ المنطقة إلى الهلاك بدون عقل من أجل محالوة الانتصار لعُقدٍ نفسية، في رحلة دونكيشوطية للبحث عن مجد مفقود، وتاريخ يحاول "العسكر" صناعته ولو بأنانية مفرطة، وتغذية حقد شعبي يائس اتجاه شعوب المنطقة.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...